المعنى و منشؤه
الجزء الثاني
الجزء الثاني
المعنى هو انتقال الدلالة ،أو تحولها الى مناطق الإشباع
،أو التسبب في الشعور بالإمتلاء ،أكيد أن الإنسان يتوسل بوسائل شتى لتحصيل المعنى
وهي كثيرة كثرة لافتة ،الدرجات العلمية ،الرقي في المناصب ،اكتساب المال ،وتكثير
الثروة ،التفاخر بالحسب والنسب ،الجري وراء اقتناص الشهرة واستعراضها ،وقد يكون موردها
المنافسات الرياضية ،أوالتمثيل السنمائي ،أو الغناء ،أو الأناقة والجمال ،يمكن أن
تجلب هذه الأشياء غبطة وسروراً تنتشي بها النفس وترتاح لها ،وتدفع ألواناً من
المكاره وصنوفاً من الضغوط كالإحساس بالقزامة والهامشية والعزلة والإنغمار وضياع الهيبة والقدر، إلا أن آثارها الجانبية
ومضاعفتها لا يمكن أن نتغاضى عن نتائجها الوخيمة كالغرور والصلف، والتغنج ولا يخفى
ما في هذه الصفات من المهالك والمطبات على المبادء الدينية الكبرى، وقيمها، وعلى
الإجتماع المدني كالتعاون والتآلف، والتحابب واحترام الآخر واعطائه حق الكلام وتقدير
جهده بصرف النظر عما في ماذا ؟ ، أما إنقلابها على الذات انقلاباً معكوساً فهو
عقاب بنقيض المقصود صحيح أن عناصر المعنى أو أشعته وذراته متوفرة في محيطنا حاضرة
في كوننا، مختبئة ومستوية في كياننا ينشأ المعنى ويتولد ويمنح مفعوله من اجتماع
هذه بتلك في ظل المبدأ الأعلى والكتاب المؤسس وبإذن النبي المرسل والولي الحجة ،
قال تبارك وتعالى : ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ
مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ
يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)) ، الآية 67 من سورة المائدة ، قال رسول
الله (صلى اله عليه و آله وسلم) : ((من كنت مولاه ، فعلي مولاه)) ، أخرجه النسائي في (الكبرى) (8145 ، 8466 ، 8467 )
، وأحمد (22945) ، والبزار (4352 ، 4353) ، والحاكم (4578) وصححه على شرط مسلم ، و
قال الألباني في (السلسلة الصحيحة) (تحت الحديث 1750): قلت : وهذا إسناد صحيح على
شرط الشيخين . قال تبارك وتعالى : ((.....الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا....))
الآية 3 من سورة المائدة ،إذا عناصر المبدأ التي بها أو من خلالها يبرز المبدأ
بروزاً واضحاً كالشمس في رابعة النهار وينبسط على الكائنات البشرية المؤمنة
كإنبساط أشعتها على صفحة الأرض ،وله على النفوس من الفوائد الجمة والخير العميم
والفضل الجميل ما لأشعة الشمس من فوائد على جميع الكائنات كالدفئ والنور .......
فالتبليغ ،والرسالة ،والنبوة ،والولاية ،والإتمام ،والإكمال، والنعمة هي الأرض ،
والتربة ، والمطر ،والدفئ ،والنور ، لكن المعنى وشخصه ، ومداه ،آية اخرى تنهض
المعنى وتقيمه على قدميه فإذا هو ماثلٌ للعيان ،مستنجدٌ بالبرهان ،ناطقٌ في الجنان
،الآية قال سبحانه وتعالى: (( قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا
وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن
تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ
بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لّا
تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ
لِلإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ))، الآيات 14 . 15 . 16 . 17 . 18 من سورة
الحجرات ،هذا هو منطق المعنى وشكله ومحتواه من مصدره ومنبعه ،صاعدٌ متفجرٌ لايعطش
من شرب منه أبداً ،ومن أكل منه لاتصيبه مخمصة ،ومن تقوى به لايعتوره ضعفٌ أبداً
ومن هرع الى بيته واحتمى به لا يُنال منه ولاينتكس ألا ترى أن أشكال العبادات
سواءٌ أكانت قولاً أو فعلاً ،لا تعتبر ولايكون لها ثقل إلا بالإيمان المخبوء
والتسليم والتوكل المستور وما كلمات : يَرْتَابُوا ، أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ
بِدِينِكُمْ، يَمُنُّونَ ، لّا تَمُنُّوا ،إلا علامات ،وإشارات ،وتنبيهات ،على أن
المسلمين أو أغمارهم ،قفزوا على الإيمان أو بعض عناصره وراحوا يتأولون أو يجتهدون
،أو يرتطمون في التبعيض ،ولقد كان من ذلك ما كان ،هؤلاء كان المعنى عندهم مهترئ
متآكل ،لأنه لم يحمله على الإنتصاف للرسالة ولأصحاب الحق فيها ،ولم يردعهم عن
التمادي في المخالفة والتوغل في الدرب غير المسموح المشي فيه أو حتى طرقه ولقد
انبئنا وعلمنا بأن للمعنى طرفٌ آخر أو شقٌ ثاني أرفع مقاماً وأبلغ مضموناً وأحلى
مذاقاً ، قال الله سبحانه وتعالى : (( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا
يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ
اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )) الآيات 2 . 3 من
سورة العنكبوت ، وقال تبارك وتعالى : (( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ
الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم
مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ
قَرِيبٌ )) الآية 214 من سورة البقرة ،وقال الله تبارك وتعالى : ((إِن
يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ
نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ
وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ *
وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ)) الآيات 140
. 141من سورة آل عمران ،إن ما حل بالأطهار،
وأحدق بهم من كيد ومكر، وما قوبلوا به من تبرم وامتعاض وما دس لهم وبيت بليل من
أحابيل شيطانية ،أو مؤامرات جهنمية ،وحل للمواثيق ونكث للعهود ،واستمالة للناس
لينصرفوا عنهم ،وينفضوا من حولهم ، بمختلف الأساليب ،وشتى الوسائل ،ولم يقف الأمر
عند هذا بل تعداه الى القتل بالسم ، وبحد السنان ،ومن يقرأ رسائلهم وخطبهم
ومواعظهم وتوجيهاتهم ،وأحاديثهم وأدعيتهم ،يحوز دقة في الفهم ،ووضوحاً في الوعي
وفقهاً في الإبتلاء يعز أن تجدها عند غيرهم والحال أن المعنى في هذا الشق تنضج
ثماره ويبلغ أعلى أدواره ،وأنت تشتغل على نفسك انابةً واخباتاً ،وتنقيةً وتطهيراً
،وصبراً والزاماً بحدود الله ،وترفعاً من أن ترد السيئة بالسيئة ،أو تضمر الشر
لأحدٍ أياً كان ،بل تدعو له وتبحث له عن المخرج ، وأنت منهمكٌ في معالجة صروف
الدهر وعراك الناس على المعائش وصراعهم على السلطة وتنافسهم المحموم على الوجاهة
وخطف السمعة ها أنت في جوف الإبتلاء تصارع للخروج وتجاهد للخلاص حامداً شاكراً ،
راضياً مبتسماً ترجو لقاء الله قد تناولت هذه الثمرة وتلقفها فمك
.........................يتبع
بقلم : السيد محمد
الفاضل حمادوش
الإثنين 16 سبتمبر 2013 ميلادي
الموافق لـ 10 ذو القعدة 1434 هجري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق