غياب ملأ شعورنا بالفقد
و استمرار لفيوضات و عطاءات
كيف نتحدث ؟ و من أين نبدأ ؟ القول
الجامع المانع ، لسنا في مستواه ، و لا نحن مهيئون للوصول الى كنهه و محتواه ، و
لا الإرتقاء من أسفله الى أعلاه ، و لا التكيف و الإتساق مع تياره و مجراه ، فهماً
، و تعقلاً ، و استعاباً ، و تطبيقاً و سياغةً لنموذجٍ في الحياة ، و رسم صورةٍ
للعلاقة بين الدنيا و الآخرة ، بين المثال والواقع ، بين المجرد والمشخص ، بين
الغائب و الحاضر ، حشد الرسالات السماوية ، و سلسلة الأنبياء الرسل قررت أن تنهي
رحلتها ، و تختم تواصلها في بلاد العرب مكة و مع محمد النبي العربي صلوات الله
عليه و آله ، حيث تم تشكيل أمة بالمعنى و الرمز ، العلم و المعرفة و مكارم الأخلاق
أساسٌ و بنيان و الحكمة مقودٌ و عنان ، مما سهل عليها الإنسياح في أركان الأرض الاربعة
والتغلغل في تفاصيل حياة الشعوب و المجتمعات ، ما حمل هذه الشعوب والمجتمعات على
السوية في التفكير و تعديل خط المسير و التحاكم الى الموازين و المعايير حسب النص
المنير ، و سند العقل الذي بحكم التكوين قدير ، و مشاعرٌ و عواطفٌ صارت بفضل
الخدمة و العبادة شذى و عبير و انتفض العالم وسرت فيه حيوية ٌ و نشاطٌ غير معهودين
كغيثٍ نزل بعد طول أمد على أرضٍ موات و أخرج خبأها و كشف خضرتها ففرح أهلها و و
ارتاحوا ، حينئذٍ و حينئذٍ فقط مهدت الأرضية وتهيئت البيئة الفكرية و استقامت
الأجواء النفسية و نضجت ليبنى مجتمع على المبادئ و على الأخوة _ و كانت الأخوة
دعامة أساسية _ بعد أن كان قبائل متفرقة مشتة دعامتها الأساسية في اجتماع و تلاحم
كلٍ منها عصبية الدم و منطق الإخضاع و نزعة الإستئثار لكل من ملك القوة و اوتي
الغلبة .
في حين أصبحت القوة بالنسبة
للمجتمع الذي اقيمت عمارته على المبادئ و الأخوة هي شبكة القوانين و ظلال المعنى
التي تستجيب لطمحات الناس ، و تلبي احتياجاتهم و لا تسمح لتفوقٍ أو تميز مجاني أن
يحصل بين الناس إلا إذا كان تفوق و تميز المذاهب و الملكات والإيمان و العمل الصالح ، يجدر بنا أن ننبه
الى أن الأخوة معناً و مبناً كانت الفاصل بين عهدين ، _ العهد العبودي ، و العهد
النبوي _ و مكنت الإنسان من نقلة نوعية و قذفته في جوف المستقبل المشرق و الآفاق
الواعدة ، و ما المواطنية في العصر الحديث إلا امتدادٌ لمدلول الأخوة وأثرٌ من
آثارها ، إن حادثة إنتقال الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله الى الرفيق الأعلى ،
نعم إن و قعها ووطأتها على النفوس لأشد إيلاماً وأدعى الى الحزن هذا بالنسبة لنا
نحن الآن ، فكيف بمن كان في جواره يراه و يسمع كلامه و يتحسس عواطفه ، و تنعشه
أنفاسه لا نقدر على تصور قدر الحزن و الأسى الذي يصيبه ، ولا كيف يصبر على الفقد والفراق
لا شك أنها نارٌ تحرق الأحشاء ، خاصة و أنهم لاحظوا ورأوا نذر الفتنة ، و
إشارات اللدد و الخصام ، في حياته ، من يعصم الناس بعد غيابه على كلٍ نحن متيقنين
أنه لم يترك الأمر هملاً هيأ و أعد بأمرٍ من الله من يقيم أمر الدين و يقود الناس
على الجادة و يفصل بينهم أي يدير شؤونهم دنيوياً و أخروياً ، قطعاً أنه صلى الله
عليه و آله كان يعلم ويرى ما يحصل ولا نعدم أن نجد إشارات وتنبيهات وفي بعض المرات
تأكيدات بأن عصياناً و تمرداً و مصادمةً للحقائق و معاكسةً لنصوص الكتاب والسنة و
تبديلاً و تغييراً طال البديهيات ، إن تاريخ الإسلام يتلوى من مغص الفواجع و
المآسي و إن الأرض مادت و السماء بكت دماً فلذات كبد النبي صلى الله عليه و آله
يصب عليهم البلاء صباً و تطحنهم المحنة يشردون و يقتلون يالثارات الإسلام ،
يالثارات الإسلام ، بالغفلة المسلمين و صمتهم و خوفهم و جبنهم ياللحياد الذي هو
للتواطئ أقرب .
بقلم : السيد محمد الفاضل حمادوش
حرر يوم : الجمعة 11 جانفي 2013 م
الموافق لـ 28 صفر 1434 هجري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق