لمعاتٌ من الوعي وشذراتٌ من الفهم
منذ أن مستنا ريح
آل البيت (عليهم السلام) ،واحتوتنا شخوصهم المعنوية ،ورفرفت فوق رؤوسنا أطيافهم
الرمزية ،عقلنا وأبصرنا وسمعنا ،اتنبهنا الى مداخل القرآن ،ومسالك التعرف على
محتوياته ، وادراك أهدافها ومراميها ،والسفر في أبعادها القصية ،ونيل ثمراتها
الدنية ،ووصلنا بالبداهة الى مبتدء السنة ،ومنتهاها ،وتقلبنا في اسفلها وأعلاها
،وتنقلنا من أدناها الى أقصاها ،ومن أضعفها الى أقواها ، فتميزت لدينا الأقوام
وظهرت لنا الأعلام ،نتيجة المقالة وثمرة الرسالة ، ذخر الأعوام ،وخيرٌ للأنام
،وثقافة الإكرام ،قال تعالى (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) وتأشيرة السلام
،قال الله تبارك وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي
السِّلْمِ كَافَّةً) .
على الداوم ،على
الطلقاء وقع الملام ،الذين لم يبرحوا النقض والإبرام ، ولم يقبلوا أو يرضوا
بالوئام ،ولم يتخلوا عن التبشير بالحمام ،طبعهم على توالي القرون ،والأعوام ،هو،هو
،ودخيلتهم التي ملأت غيضاً ، وطفحت بالحقد وحب الإنتقام ،شيئاً فشيئاً ،وعلى مهلٍ
،في غفلةٍ من المسلمين ،وخفية ومن وراء حجاب ،دسائس تنسج ،ومؤامراتٌ تحاك ،
ودعايات تفبرك ،وتبيت بعناية واتقان ،في الغداة والعشي ،بنفس الكيفية وبعين
الأسلوب ،على بعد الزمن ،وتغير العهد ،أتكون الوراثة في نمط التفكير ،وطريقة
السلوك ،وفي مواريث المشاعر ،والعواطف ،وفي أشكال التدين ،وقوالبه ،التي نهضت في
حجر سلطةٍ غاشمةٍ ،وقيادة سياسية غاصبة مجروحة العرض ،ممسوسة الشرف ،إن على مستوى
الإنتساب للدين ،والإنتماء لرسوله ،وإن على جهة الإخلاص له ،ومحض النصح له
،والتسليم لنبيه ،في المنشط والمكره ،أوفي الأخذ والتناول وفي الترك والإنتهاء
،ماجعل هذا التدين مغشوشٌ ،مسمومٌ ،وكأنه استبطن شطط اليهودية ،وشدة تطرفها
،وانغلاقها وأنانيتها ،وتحمورها حول ذاتها وانحرافات النصارى ،وظلالهم الإعتقادي
،وانحرافهم التصوري ،وشرودهم عن الجادة ،وميلهم عن البوصلة ،وجرياً على هذه السكة
،استمر تدينهم ،مبتعداً عن منابعه الحقة ،منقطعاً عن مصادره الشرعية ،والمشروعة
،منفكاً عن قدوته ،واسوته ،فماكان إلا أن غرق في مقادير التزمت ،أخذت منه جملة
الرفق واللين ،وأفرغته من اليسر والتبشير.
والحاصل أن هذا
النمط من التدين ،وهذه الأشكال والقوالب التي آوى اليها ،واستقر فيها ،أو بصفة أدق
،استحال الى أشكالٍ وقوالب ،فاقدة للروح ،مجافية للذوق ،نافرةٌ من السماء ،ناشزة
عن الغيب ،تحكمها واشتداد حلقتها ،وتواتر بأسها الموحش ،أنتج شؤماً ويأساً ،هيهات
، هيهات ،البرؤ منهما ،والشفاء من مضاعفاتهما ،وتداعياتهما .
لايسعنا إلا أن
نذكر بضرورات الصراع ،وحاجات السياسة ،والسلطة ، ولو من خلال التصرف في الدين
،إنشاءاً وابتداعاً ،والإلتفاف على التاريخ ،تغييباً لعناصره المهمة ،وتغطية
وحجباً لوقائعه العلام ،وحوادثه الأعلام ،وقفزا بهلوانياً على شخصياته الفذة
،وقياداته الإستثنائية ،وطلائعه الذين احترقوا لتضاء ديار الإسلام ،وتنار جنبات
الأرض ، بالهدى والعدل ،والخطوة الأكثر خطورة والأبعد انحرافاً ،وظلالاً ، استدعاء
العصبية ،وأخواتها ،واستنهاض القبلية والعشائرية ، والإستقواء الشفوني بهم ،أي
بهذه المفردات المفاهيم وأيضاً نتاج ذهنيتها وعقليتها وما تحيلان اليه ،قطع
الإسلام معها _ أي مع هذه الثقافة _ واعتبرها ضرة وضراراً ،عاراً وشناراً ،أوبقايا
عمران انهار واندثرت معالمه ،وتلاشت أوصافه ونعوته ،منذ عهدٍ بعيدٍ جداً ،أو خرائب
وأطلال تدل على أن أهلها غادروها الى غير رجعة ،أو حلت بهم كارثة عظمى ،فمحقتهم
وأفنتهم ،أوحثالة صناعة يجب أن تدفن ،ويتوقى منها بأساليب وتقنيات علمية وعملية
،ولايفكر أبداً في اعادة استغلالها أو استثمارها ،في صناعات ،وحاجات ،تسد فراغاً
،أو تلبي غرضاً ،أو تكمل نقصاً ،لأن فيها الهلاك الماحق ،والموت الزعاف .
في المحصلة إن هذه
القراءة العرجاء أو الفجة ،وهذه المسلكية المعوجة انحدرت الينا وانهمرت في فراغنا
،ولاوعينا ،وشتاتنا ،وماانطمر وتراكم من حقبة الإنحطاط وعصر الإستعمار ،من تفكيرٍ
خرافي مثيولوجي ،ومعارف ومعلومات طائشة رعناء ،مهوشة مختلطة .
هذه القراءة وهذه
المسلكية بسوءها وأذاها ،تخللتنا وامتزجت بنا ، فكان مالم نكن نتوقعه ،حتى على وجه
التخيل غرقٌ في الإرهاب والإقتتال الذاتي الإنتحاري حيث اسلمناقيادنا لعدونا
يستخدمنا ويتلاعب ويعبث بنا بهزءٍ وسخريةٍ .
بقلم
: السيد محمد الفاضل حمادوش
الأربعاء 5 فيفري
2014 ميلادي
الموافق لـ 4 شهر
ربيع الثاني 1435 هجري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق