الثلاثاء، 29 يوليو 2014

الشيخ محمد بقاق




الشيخ محمد بقاق
 

مقدمة :

الشيخ محمد بقاق هو أحد رجال القرآن والعلم الشرعي الذين اشتروا أنفسهم ابتغاء مرضات الله، في ظروف كان فيها الشعب الجزائري أحوج ما يكون إلى من يعلمه الحرف العربي ، ويعرفه أحكام دينه وشريعته التي عمل الاستعمار الفرنسي على حرمانه منها بكل قوة. وجرب كل أساليب القمع، ولم يكتف بالقمع الجسدي والنفسي والاجتماعي ،وإنما تجاوزه إلى القمع الثقافي والعلمي والمعرفي الذي طال أغلب الجزائريين ، فسادت الأمية والجهل في الأمة وانتشرت الخرافة ، ونشطت قوى التنويم والتخدير بتشجيع من الإدارة الاستعمارية تحت غطاء إحياء مآثر الأولياء في مقامتهم، وإقامة الزردات التي كان يتخللها الفجور وشرب الخمور.

فكانت ردة الفعل قوية وسريعة من قبل النخب المثقفة ،ومن الفقهاء وحفظة القرآن الكريم ، وعموم الزوايا وأعيان الأمة لمواجهة الإدارة الاستعمارية، والمطالبة بحق الجزائريين في التعليم،خاصة التعليم القرآني واللغة العربية والتاريخ الإسلامي فشهد النصف الأول من القرن العشرين حركة أو نهضة إصلاحية دينية وتعليمية وثقافية في كافة أوساط الجزائريين منقطعة النظير،ففتحت المدارس والكتاتيب والزوايا في المدن والقرى ،ونشطت البعثات التعليمية إلى مختلف أقطار العالم العربي والإسلامي خاصة جامعة الزيتونة بتونس والقرويين بالغرب والأزهر بالقاهرة .

ولقد أثمرت تلكم النهضة الإصلاحية، التي يخطئ كثير من الناس وحتى بعض الباحثين ،حين يربطون ظهورها في الجزائر بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كانت من نتائجها في الحقيقة .ذلك أن الدعوة إلى الإصلاح الديني والاجتماعي أقدم بكثير من تاريخ إنشاء جمعية العلماء كما يقرر الدكتور أبو القاسم سعد الله في كتابه" أفكار جامحة /مقال الاتجاهات الفكرية والثقافية للحركة الوطنية .
لقد كان من نتائجها يقظة الحس الديني،والوطني ،والقومي ، والإنساني ،والانتماء الحضاري الذي وحد الأمة وعجل بحركة التحرر، وقيام الثورة ،وتحقيق الاستقلال ، والشروع في البناء الوطني من أجل اللحاق بالركب الحضاري والمشاركة الإيجابية الفاعلة في التقدم الإنساني .

إننا عندما نستعيد ذكرى أولئك الرجال الذين عاشوا لحظتهم التاريخية بكل مسؤولية وأمانة واقتدار، رغم قلة الإمكانيات والوسائل ،وظروف القهر والإكراهات التي كانت تفرضها ممارسات الإدارة الاستعمارية .لا نريد أن نقع أسرى روح التمجيد الفج لهؤلاء الرجال ،ولا نريد أن نجعل منهم مطية للمآرب والمغانم ، كما فعل بشهداء الثورة المباركة ،والعلماء والقادة التاريخيين الذين غدوا تراثا يؤكل أكلا لما، تعلق أسماؤهم لافتات وشعارات وأنصاب ومناسبات وجمعيات ومنظمات. شفاعة ترتجى لدى صاحب الأمر ، وأوراقا تلعب على طاولة ... وإنما نريد أن نحيا من خلالهم روح المسؤولية الجسيمة،التي نتحملها أمام الله وأمام التاريخ ،وأمام هؤلاء الرجال وأمام أجيال المستقبل .

صحيح لم يترك لنا هؤلاء الرجال مدونات ولا دراسات أو بحوثا أو مجلدات من المؤلفات ؛ الحجة التي يرفعها في وجوهنا بعض قليلي الوعي فيقول قائلهم ،وما حاجتنا إلى الحديث عن هؤلاء الشيوخ الذين أكل عليهم الدهر وشرب ،ومضى عهدهم إلى غير رجعة ؟ولكن ألا يكفيهم أنهم ذكرونا بأننا أمة لها حضارة ولها شريعة، ولنا رسالة في الحياة .علمونا كيف نتمسك بأصالتنا ،وكيف نتحمل مسئوليتنا في الظروف القاهرة ، كظروف الاستعمار التي عاشوها هم بحقيقة الدين والوطن .هذان الإرثان العظيمان اللذان ظلا يشكلان الهاجس المحرك للمقاومة ، والرفض لكل أنواع المسخ والاستلاب للمستعمر .
الشيخ محمد بقاق ومن سبق ذكره من الشيوخ : هم رواد هذا الجيل الذي كان له موعد مع التاريخ .لم يكونوا من جنود العلن وإنما كانوا من جنود الخفاء. وما أكثر جنود الخفاء الذين لم يسجل التاريخ أسماءهم ، ولم يدون الكتاب سيرهم .

مولده ونشأته :

هو الشيخ محمد بقاق بن عمر بن محمد بن يحي .. ولد سنة 1887 بمشته الحمامة /أولاد علي بن نصر. حفظ القرآن على يد الشيخ الصديق الزموري ، معلم القرآن الذي رتبه والده لتعليم أبناء القرية .

دراسته:

لة الشيخ محمد بقاق على أمل أن يواصل تعلمه في إحدى الزوايا التي استعادت نشاطها في بداية القرن العشرين ، خطا خطواته الأولى في سنوات الشباب المفعمة بالأمل المدفوعة بالنشاط ،التواقة إلى طلب العلم والمعرفة .
انتقل إلى زاوية علي بن الشريف من أجل استكمال دروسه في الفقه الإسلامي ، والعلوم ذات الصلة كالنحو والصرف والبلاغة والتفسير والحديث .فقضى في الزاوية المذكورة ما يقرب من سبع سنوات ( 1910 1917 / ).

نشاطاته :

عاد الشيخ محمد بقاق مزودا بما تيسر له من المعرفة الشرعية، ليشرع في أداء دوره التعليمي تجاه أبناء وطنه الذين حرموا من التعليم والمعرفة ، وتأكدت حاجتهم للإقبال على المعرفة الدينية لتعلقهم الشديد بمقومات شخصيتهم العربية الإسلامية ،ومواجهة الاستعمار الذي ظل يمارس منذ وطئت أقدامه أرض الوطن الاستبعاد لكل ما هو عربي إسلامي .
انتقل الشيخ محمد بقاق عبر العديد من الزوايا، مزاوجا بين التعليم القرآني وتقديم دروس الفقه واللغة العربية لطلابهما ليتواصل مع الناس فيما بقي له من الوقت ، مجيبا عن تساؤلاتهم ، مصلحا ذات بينهم،مشاركا لهم في أفراحهم وأتراحهم .

الزوايا التي علم بها :

كانت الزوايا التي درس بها الشيخ محمد بقاق كالتالي :
زاوية الشيخ حماني علي بقرية قجال.
زاوية الشوافع ببني مروان .
زاوية الشيخ الصديق معيزة .
زاوية المقدم سي المسعود بسيلاق .
زاوية واد الصفصاف ( جامع بهلول ) .
زاوية قجال التي قضى فيها ما يقرب من عامين( سنة 1945/1946 ) .
زاوية المقدم العياشي التابعة لزاوية بن الحملاوي بالمالح .

اهتمامه بتربية أبنائه :

اهتم الشيخ محمد بقاق بأبنائه فرباهم أحسن تربية ، وعلمهم فأخرج منهم حفظة للقرآن الكريم ومعلمين وأساتذة نذكر منهم الشيخ إبراهيم بقاق، والأستاذ النذير بقاق .

نهاية المطاف :

أقول بعد هذه الرحلة الحافلة انتقل الشيخ محمد بقاق إلى رحمة الله في اليوم السابع رمضان للسنة الميلادية 1952 ودفن بمقبرة بن فاس بأولاد علي بن ناصر، رحمه الله رحمة واسعة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق