الثلاثاء، 29 يوليو 2014

قجالٌ يترنح / بين الإسلام التقليدي الصامت و الأرثوذكسية المشاكسة - بقلم : محمد الفاضل حمادوش




قجالٌ يترنح
بين الإسلام التقليدي الصامت و الأرثوذكسية المشاكسة 
كان أهل قجال يرونه محور العالم ، و مركز الدنيا ، مكانة ليس لها مكافئ ، وشهرةٌ طبقت الآفاق ، ومستودعُ الحسب والنسب ، ومعدن الطهر والنقاء العلم اتخذه مسكناً ، والفقه اختاره موطناً ، زاويته شامة ٌ على جبينه و بطاقة هويةٍ وركن تعارفٍ ، وميناء حط فيه التاريخ رحله ، و أنزل فيه متاعه ،وأحماله ، التسامح فناؤهُ ، والكرمُ مدخله و باب من أبوابه ، غُيب و غُرب فلم تشنه غربة ، ولم يأسره ُ غياب ، لأن ذخيرته الفكرية من الغناء بمكان ، و أرشيف أعلامه لسانٌ ناطقٌ بالفصاحة و البيان ، و بيوتاته و أكابره في السؤدد ، والمجد أفنان ، ومن الشجرة الطيبة غصنٌ ريان وفضلٌ من الحنان المنان ، لعل الصعوبة تكون شديدة جداً   عالية السقف ، وعسرٌ يظهر فجأةً ، فيشل العقل ، ويحبس الخيال ويمسك اليد لما يهم الواحد منا أن يكتب مشاهداته ، ويدون ملاحظاته ، ويصور ما يجود به الخيال وتطعمه العاطفة من صورٍ أو لوحات ، نابضة بالحياة ، تحاكي صور الحياة في هذه القرية الوادعة ، وهذه المنطقة المسالمة ، التي أسكرتها العروبة و سحرها بيانها الأخاذ فعشقتها وتغزلت بها فكانت هي و الروح شيئ واحد تسري في كيانها كما يجري الدم في عروقها حاجتها إليها في التعبير كحاجتها الى الهواء في التنفس وعجنها الإسلام فساغ شخصيتها على مثال ( مودال ) لايتغير و لايتبدل فقط يتسع و ينمو و يتطور و يزدهر ويتألق ، لا يزيدها الإختلاط والإحتكاك إلا تميزاً وتفرداً و ترفعاً ،وتفوقاً وقع التعريض بها ، و الحط من مكانتها وغمز سلوكها و تصرفاتها فلم يحملها ذلك على خفض قامتها و الخروج على كبريائها بل نظرت الى كل ذلك بعين الزراية ، و أحسنت التصرف ازاؤه بعين الدراية . 
طبعاً لم تكن الحياة فيها قوية ٌ متدفقة ، أو متغيرةٌ متبدلة من حيثُ نمط العيش ،وأسلوبُ الإنتاج،والحراك الإجتماعي : صعود شرائح اجتماعية ، و هبوط أخرى ، كانت هذه المنطقة كأغلب مناطق بلاد الجزائر في مأمن و منجى من الحوادث و الوقائع ، التي يكون مصدرها الإنسان نتيجة شعور بالتحدي ، أو توترات تنتاب العلاقات الإجتماعية لسبب من الأسباب ، فتدفعها لتعديل وضعيتها و التنفيس عن الإحتقان و يكون ذلك نتيجة الإبعاد ، أوالتهميش ، أوالحيف أو الغبن أو جرح يصيب المعتقدات ، و يمس المخيلة ،أو فكرة خلاقة تطرأ فجأة فتفعل فعل السحر فيهم لما تنطوي عليه من رؤى ومشاريع تتأسس على معتقداتهم وأعرافهم وعاداتهم وعلى مالايتنافى مع منطقهم،وتصورهم ويعزفُ على أوتار آمالهم و طمحاتهم ، الأشياء التي كانت تكسر الجمود ، و توقف الرتابة وتدخل شيئاً من الإنتعاش والحبور ، على النفوس المنقبضة من أثر الملل و السأم والأجسام الواهنة ، الذابلة لأن نصيبها من الغذاء لا يتجاوز سد الرمق ، وإذا ما رمتها علة المرض فتترك لشأن القدر ، هذه الأشياء هي : المواسم و الأعياد الدينية تُخرجهم من حال الى حال ، و من جو الى جو هي عبارة عن لحظات في عمر الزهور يفقون فيها أنهم آدميون ، و يتذكرون أنهم يتمتعون بالحياة ، و الحضور ويشعرون بالزمن وينتبهون الى أن لهم ماضي و حاضر و مستقبل ويقعُ لهم شبه إدراك أن لهم امتداد في الماضي ، غاية الأسف ، و مبلغ الأسى أن الزمن و الظروف و الحيثيات تؤثر فيهم ، و توجههم وتملي عليهم حاجات هي أقرب الى الأعباء منها الى الواجبات تقتلُ الفكر و الشعور و تجرئ على الإستهانة بالقيم و الإستخفاف بالمبادئ أما تأثيرهم و بصماتهم فيها _ الزمن ، الظروف ، الحيثيات ، _ فهي الى الإنعدام أقرب ، و الى مفهوم التاريخ ومنطقه أغرب ، استقر في تفكيرهم، ورسخ في كيانهم أن هذا فعل القدر ليس في مكنتهم دفعه ، ولا في وسعهم صرفه بل فقط حسبهم الإنتظار حتى يرتفع من تلقاء نفسه ، نوازل وقوارع ، اجتماعية ، وسياسية ،واقتصادية تحيق بالجماعة وتمسك بتلابيبها ، و تطرحها أرضاً بعد أن تمتص قوتها وتنهكها ، تتركها نهباً للجوارح والزواحف تمزق لحمها وتمتص دمها ،حوادث 8 ماي 45 و أخرى قبلها ربما تكون أدهى و أمر أما بعدها فكانت الواقعة و ما أدراك مالواقعة ثورة 54 لكن حدث ما يشبه المعاجز،وحصل مالايتوقع حتى على مستوى الحلم والخيال ،فلم تنقرض هذه الجماعة كما انقرضت زواحف و أقوام يبتلعها العدم و تصبح أثراً بعد عين ، تنطمس حضارتها ، وتتفكك ثقافتها وتتحلل و ينطفئ  نورها وتخبو جذوتها وتنسحبُ من ساحة النشاط و الإنتاج والإبداع الحضاري وتغدوا ثقافة أقوامية،أي ماتحت الوطنية نعم نقول بملء فمنا ، أن هذا الجزء من الجماعة ، لايختلف في شيئ عن الجماعة برمتها أعني الشعب الجزائري على بكرة أبيه ،إلا اختلفات طفيفة ، كالإختلافات بين أفراد من أبٍ واحدٍ ، وأمٍ واحدة أو كتاين تضاريس الأرض ، والمناخات في البلد الواحد ما يعني أن ما يجري على هذا الجزءمن الجماعة يسري على الجماعة بأكملها كل الأحداث الجسام ، والصدمات ، والكدمات ، وتقطيع الأوصال وعملية غسل الدماغ ،لم تفلح في فصل الجماعة عن تاريخها ومحو ثقافتها وتصفية ذاكرتها ، بل إختزنت كل هذا و أضافت إليه تجربة الإحتلال المرة في جوفها كما تختزن الأرض في غورها المياه ، والبترول وسائر المعادن الثمينة و في اليوم الموعود ، و الظرف المحلي المناسب ، والسياق التاريخي العالمي والفرص التي يوفرها ،اهتز الشعب الجزائري الأبي وانتفض لأن كهرباء الوعي لامست جسده،وانتقلت شرارتها الى الجدار الصلد الذي كان يمنع عليه الرؤية ويحجزه عن الحركة فإنهار الجدار وأصبح أنقاضاً،فأبصر الآفاق و هرول نحوها لايلوي على شيئ وأصبح يرى ذاته عل غير ماكان يراها من قبل ، ويرى تاريخه مصدر فخرٍ واعتزاز ، ويرى ثقافته من الغنى ، و الخصومة ، والتنوع . ومايشدُ الإنتباه احتواؤها على النزعات العقلانية و الإنسانية ومرونتها التي لاتظاهى ، في انفتاحها على الثقافات و الإستفادة مما يرد إليها منها و هضمه و تمثله بكفاية قل نظيرها ومن ثمة اعادة تشكلها حسب الوضعية الجديدة و حسب الحاجيات والمطالب المستجدة ، انطوى عهد الحركة الوطنية و طور الثورة التحريرية بسرعة البرق لأن روح الإنعتاق و التحرر ومشاعر الخلاص من الماضي البائس كانت أقوى من الدم و الموت و أقوى من المتاعب و المشاق ، بل أقوى من الزمن ، ولد الشعب الجزائري من جديد بل بعث من القبور أولُ شيئ فكر فيه و انشغل به الشعب الجزائري استعادة اللغة العربية مكانتها فأقبل على تعلمها برغبة جارفة ولم ينتظر الدولة أو النظام السياسي لكي يقوم بذلك بادر المجتمع الأهلي لبناء المدارس وجلب الأساتذة من المشرق العربي من خلال جمع التبرعات ، و كان النشاط موفقاً والنجاح باهراً ، و كان قجال بيتُ العلم و الرجال ، من أبرز مناطق الجزائر في هذا الميدان بل الرائد في هذا المضمار والرائدُ لايكذبُ أهله و لا ينقض عهده ، رئةُ مدينة سطيف وذاكرته ، و بصرهُ الذي يبصرُ به ، الفاتحون الأولون مروا به و الأدارسة إستقروا به منه يبدأ تاريخ سطيف و فيه ينتهي ، مقصدُ الأولياء ، و مزارُ العلماء و بغيةُ المحتاجين و الفقراء ، كان قجال مرتاح البال مطمئن النفس لفهمه للإسلام و تعقله له في الإطار ، المذهب المالكي ،و العقيدة الأشعرية ، و تصوفُ الجنيد السالك و لا ينظر بعين الريبة الى من يخالفه في المذهب الفقهي أو الكلامي و لا يتحرج من من يخالفه في الملة ، و كان بالفطرة يبتعد عن أدلجة الدين و حصرهُ في خانة السياسة ، الشيئ الذي حفظ الدين من الإنتهاك و قداسته من الإختراق و التلاعب و الإستغلال وحصن المعرفة به والإحاطة بعلومه بإشتراط شروط قاسية بنحو لايستطيع كل من هب و دب أن ينفذ الى هذه القلعة الحصينة و يديرها حيث يزعم أنه أحق بالإمامة ، أو الفتيا أو التدريس ، أما حقل الدعوة فقد كان في عزة و منعة لا يطرقه إلا من اُوتي زيادة عقل و جودة فهم و نضج نفس ونبل عاطفة ، وعمق رصيد في التجربة و الخبرة و سلامة ماضي ، و طهر ذيل و اجازة شيوخ كلُ هذا و غيره انقلب رأساً على عقب ، على حين غرة وكأن الأمر كان يبيتُ بليل لأمرٍ يُراد .
 برز نمطٌ من المعقولية و الفهم للدين الإسلامي أعوج أعرج أينما وجهته لا يأتي بخير ، و استبيح حقلُ الدعوة فتدثر بالسوء و لحقه الحيف و الغبن و ارتدى عمامة التضليل و التمويه و علق لحية المكر و الخديعة هي الى المخلات أقرب منها الى لحية الهيبة و الوقار التي ندبت السنة المطهرة الى الإلتحاء بها ، إنها الحركات التمامية التي اختزلت الدين و ( الإسلام  ) في الطقوس و الشعائر وأصرت على أن تجعله سيفاً أوبندقيةً تقاتل بهما المسلمين لتخرجهم من الشرك و تنتزع بهما السياسة من فضائهم وتقتل بهما العقلانية والنزعة الإنسانية والتسامح والمدنية ولكن هيهات هيهات .......
يتبع
بقلم : محمد الفاضل حمادوش  
الخميس 16 ماي 2013 ميلادي 
الموافق لـ 6 رجب 1434 هجري 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق