الثلاثاء، 29 يوليو 2014

حوار الحضارات - بقلم :الأستاذ مراد مليزي

حوار الحضارات
بقلم :الأستاذ مراد مليزي




حوار الحضارات عبر التاريخ :
الحضارة حسب التعريف الأنثروبولوجي هي :
هي النمط العام للحياة و يتمثل بالعمل و الإنتاج و الملكية و المعرفة و السلوك العلمي و القيمي و الإبداع الفني و النتاج الثقافي عامة .
فتعدد و تنوع الشعوب و الثقافات و الأديان و منظومات العمل و الإنتاج و التفكير ، تفرض تعددا و اخلافا في الحضارات فطوال التاريخ كان هناك تعدد حضاري سواء في العصر الواحد ، أو على امتداد المسيرة الحضارية الإنسانية .
فالحضارات الهندية أو اليونانية أو المصرية أو الصينية لكل منها عصرها و مكانها .
و الحوار بين الحضارات تقليد قديم ، كان يتم عن طريق الغزوات و الحروب ، أو الأسفار و التجارة ، و يشمل التأثر بالقيم و أنماط التفكير و السلوك .
فدراسة العرب و المسلمين للفسفة اليونانية و علوم القدماء ، و ترجمة الأربيين للمخطوطات التي نقلها العرب الى اوربا عبر التجارة في العصر الوسيط من العربية الى اللاتينية سمح للأوروبيين بدراسة الفلسفة و العلوم العربية و الإسلامية و الإستفادة منها في تأسيس نهضتهم بالإضافة الى حملة نابليون على مصر في العصر الحديث و دورها في نقل صورة مغايرة عن الآخر ، كل هذا يعتبر شكل من أشكال الحوار بين الحضارات .
ومع التطور الذي شهدته البشرية أخذت أشكال و شروط و آليات هذا الحوار تتغير و تتطور .
حوار الحضارات بعد الحرب العالمية الثانية :
تأثر حوار الحضارات ما بين 1949 م / 1989 م بمعطيات تلك الفترة كالحرب الباردة و الثنائية القطبية التي تقاسمها المعسكر الرأسمالي الليبرالي بقيادة الولايات المتحدة الأمركية و المعسكر الإشتراكي الشيوعي بقيادة الإتحاد السوفياتي وما أنتجه صراعهما من توازنات عسكرية و نووية ، و اقتصادية و مالية و سياسية و ظهور حركة عدم الإنحياز ، فسادت أجواء تسمح بالحد الأدنى من الحرية ، و السيادة و التنمية بالنسبة الى كثير من دول العالم ، فبدأ نوع من الحوار بين الحضارات تحت اشراف منظمة اليونيسكوا ، فكان ذو مواضيع مسالمة لا تدفع الى الصراع هدفها الوصول الى فهم مشترك بين ثقافات العالم يشمل القيم و الفكر و الفن و الأدب ، لكن ما إن أثيرت مشكلات جدية من طرف بعض الدول مطالبة بنظام إعلامي جديد ، و نظام اقتصادي جديد و ضرورة توسيع الحوار ليشمل مسائل حقوق الإنسان و التنمية و الفقر ، ترك الحوار عالم الفن و الفكر و الأدب و تحول الى حديث عن المصالح التي تمثل بعدا أساسيا في هذا فإنسحبت الولايات المتحدة الأمركية من منظمة اليونسكو اعتقادا منها أن الحوار قد تجاوز الخط المسموح به .
حوار الحضارات بعد سنة 1989
بعد انهيار الإتحاد السوفياتي سنة 1992 طرحت معالم النظام الدولي الجديد و الأحادية القطبية و الهيمنة الأمريكية ، تغيرت شروط و تطبيق الحوار بين الحضارات ، و بدأ العالم يتساءل عن مصير الشمولية في السياسة و الفكر و الإقتصاد ، و عن الديمقراطية و كيفية انتشارها في آسيا و إفريقيا و أمريكا الجنوبية ، و أساليب تحقيق المجتمع المدني ، و حديث آخر عن المال و السوق و الإستثمار ، و ثورة الاتصالات ، و تكنولوجيا الأحياء ، و كيفية نقلها و الإستفادة منها بوصفها ليست تقنية فقط ، بل نظام من القيم أيضا ، و عن دور المؤسسات الدولية في الحوار بين الشعوب و الثقافات .
حوار الحضارات في إطار العولمة :
تتشكل لأول مرة في التاريخ ظاهرة العولمة ، ليتميز عصرنا بهيمنة حضارة واحدة ( الحضارة الغربية )، و بنمطها الرأسمالي الذي يرى البعض في تعميمه تعميما لقيم الغرب و عقائده و ثقافته حتمية لابد منها ، و الدخول في حقبة من العالمية الساكنة ، وزوال الصراع الإديولوجي متجاهلين التعدد و الثراء الإنساني و الحضاري باسم نهاية التاريخ و بدأنا نسمع عن الحروب الثقافية ، و النظر إلى الحضارات كتركيبات متمايزة ، و العلاقات بينها علاقات صراع و تصادم و بالتالي فهو العنف و الإقتتال و الحروب .
و بماذا نفسر إذن النزعة التي أظهرتها الولايات المتحدة نحو الهيمنة ، فسيطرت على حكامها و صانعي القرار داخلها عقلية رعاة البقر ، فأصبحوا يهددون بشن الحروب و التدخل العسكري ضد كل من يخرج عن الطاعة ، و يظهر شكلا من أشكال الممانعة حيال قراراتها و سياستها ، أو يقف حجر عثرة ضد مصالحها ، كما سعت إلى فرض إرادتها و معاييرها و لوائحها عن طريق مؤسسات الأمم المتحدة و باسم الشرعيةالدولية ، و حتى خارجها كما حصل في احتلالها للعراق .و تبين من خلال ذلك و من حملتها الإعلامية التهديدية ضد ما سمته محور الشر إيران و ليبيا و دولا أخرى أن حرب الولايات المتحدة على الإرهاب هي تخفي من ورائها رغبة في السيطرة على مقدرات العالم و صراع مصالح اقتصادية ، بينها و بين شركائها في الهيمنة ، و إن حاولت أن تعطيه مظهر حضاريا أو ثقافيا أو انسانيا أو أمنيا ، متناسية حقوق الشعوب و الدول في الأمن و السيادة و الحرية و التنمية ، وإن كان هذا لا ينفي أن الصراع خلفية حضارية و ثقافية و دينية بين الغرب و العالم العربي و الإسلامي .
في هذا المناخ ساد اليأس و الإحباط و القلق و الشك و التفكير في ضرورة تجاوز مسارئ النظام العالمي الجديد و هذه الأحادية القطبية و إبراز مخاطرهما على الإنسانية عن طريق حوار جاد و حقيقي بين الحضارات .
العرب و المسلمون و الدعوة إلى حوار الحضارات :
لقيت فكرة حوار الحضارات رواجا كبيرا في العالم العربي و الإسلامي ،  ربما بدافع الممانعة و الرد على الحملات الموجهة ضد الإسلام و ثقافته و حضارته ، و الدعوة إلى احترام الخصوصيات و الخبرات الإنسانية ، و ليس تصفيتها و إنشاء قيم جديدة لبناء نظام علمي أكثر عدالة و انسانية .
في هذا الإطار جاءت دعوة الرئيس الإيراني إلى مثل هذا الحوار ، لإظهار أن إيران و باقي الدول الإسلامية ذات حضارة و مرجعية تثمن الاختلاف و الحوار و الحرية ، وتقدس الإنسان ، ووعيا منه أيضا أن نية مبيتة من طرف جهات في الغرب ضد ديننا و حضارتنا ، و ضد إيران و تجربتها و موقفها ، و السعي إلى جمع الذرائع لجعل إيران و دول أخرى مشروع حرب مستقبلا مصنفة إياها ضمن محور الشر ، أو الدول المارقة ، أو التي لها برامج مريبة في التسلح النووي ، أو الراعية للإرهاب ، أو تمثل خطرا على الحضارة و الديمقراطية و حقوق الإنسان بتعصبها و انغلاقها و جمودها .
و بعد أحداث الحادي عشر من سبتمر 2001 و الحملة التي شنها الإعلام الغربي ضد الإسلام و العرب و المسلمين ، بدأ القادة و المفكرون الترويج لفكرة حوار الحضارات ، و الدفاع عن الإسلام ، و إبراز وجهة النظر العربية و الإسلامية حول علاقة الإسلام بباقي الحضارات ، و موقفه من العنف و التطرف و الإرهاب ، و إظهار قيم الإسلام و ما تدعو إليه من حوار و تسامح ، و كل هذا كان يتم عبر وسائل الإعلام و الجرائد و المجلات و الكتب و الندوات و التدخلات و الخطب .
رؤى و مواقف إزاء حوار الحضارات :
تعددت الرؤى و المواقف إزاء هذا الحوار ، فمن موقف ينطلق من مفهوم ديني خالص للحضارة و الإسلام هنا و المسيحية هناك ، و أزمة الإنسان المعاصر أزمة قيم صنعتها حضارة غربية إباحية ، أفلست على صعيد القيمي و الأخلاقي . و لا حاجة لنا إلى الحوار معها ، بل المراهنة على الأصالة في مواجهة التغريب ، و إن تعاملنا معها فمن باب النقد و التهذيب .
وموقف يرى أن الحوار الحقيقي مع الغرب يجب أن يكون حول كيفية فهم و استيعاب لقيم و آليات التقدم الغربي ، و الإنخراط من خلالها في العصر ، و ليس إضافة الوقت في الحديث عن حوار يفتقد إلى الندية و التكافؤ ، و نحن نعيش وضعية قائمة على الجهل و الفقر و التخلف .
وموقف ثالث ينطلق من أن الحوار بين الحضارات قائم و حقيقية نعيشها يوميا عبر الأنترنت و الفضائيات و السوق ، و أصبحنا من خلالها طرفا فعالا و مشاركا في هذه الحضارة ، و عليه فالمسألة مسألة حضور أو فعالية و إبداع قبل أن تكون مسألة هوية أو ثقافة أو لغة أو دين ، لأن الإبداع و الرغبة في التطور الفكري و العلمي و التكنولوجي لا يتعارض مع حقنا في التمسك بهويتنا و خصوصيتنا .
حوار الذات قبل حوار الحضارات :
لن نستطيع أن نؤسس لحوار مع الحضارة الغربية ، أو أي حضارة أخرى ، ما لم نحقق هذا الحوار على مستوى حضارتنا العربية الإسلامية . فالحوار بين أغلب القوى ، و اتيارات و المذاهب في مجتمعنا ، يتسم بالإنغلاق و التعصب و الشك المتبادل ، و مازالت أغلب مسائل الدين و الفكر و السياسة تنتظر الحسم ، كمسائل الهوية و المرجعية أو الدولة و السلطة و الشرعية ، أو الفقر و المديونية ، أو الديمقراطية و المواقف من العولمة .فتراجع و فشل الحوار بين التيار العلماني و الإسلامي و الوطني و القومي حول شكل الدولة و مصدر شرعية السلطة ، و كيفية بنائها ( الشرعية ). و فشل الحوار بين فصائل التيار الإسلامي حول الأهداف و الأولويات و المفاهيم ، و فشل الحوار السني الشيعي رغم المرونة التي اتسم بها في الفترة الأخيرة مع مبادرات التيار الإصلاحي و مؤسسة التقريب بين المذاهب في إيران ، لأنه في نظر البعض مازال هذا الحوار يطرح بشكل لا عمق فيه من خلال مؤتمرات استعراضية في جو تسوده إما المجاملة المتبادلة أو التعصب للدائرة المذهبية ، و تجاهل حقائق و مشروعية كل مذهب مع أن إمكانية الوصول إلى أرضية مشتركة للحوار بين الطرفين متوفرة نظرا لوجود نخب حديثة و قوى معتدلة استطاعت أن تطور الخط الإسلامي من وجهة نظر التشيع أو التسنن ، و بالتالي تجاوز التفكير بمنطق الفرقة الناجية ، و العمل على تصفية الخصوم و مرجعياتهم و رموزهم ، إلى التفكير بجدية و إخلاص في التحديات التي يعيشها عالمنا الإسلامي ، ومستقبل الإسلام و سائر المسلمين و ليس مستقل التيار أو المذهب فقط و إن كان هذا مشروعا بإمكانه أن يكون إضافة إذا تعاملنا معه بشيئ من الموضوعية و العقلانية .
لو استمر هذا الشكل من الإنسداد في الحوار بين التيارات التي ذكرنا ، قد يدفع بالمجتمعات الإسلامية الى البحث عن أطر سياسية و فكرية جديدة أكثر رحابة و قدرة على استيعاب آمالها و طمحاتها و حاجاتها الضاغطة في الدين و الفكر و السياسة و الإقتصاد .
تساؤلات قد تؤسس لرؤية و موقف جديدين :
تثار حاليا تساؤلات عديدة داخل مجتمعاتنا حول موضوع حوار الحضارات قد تساهم في بلورة صياغات ورؤى جديدة لهذا الحوار .
بض هذه التساؤلات من قبيل :
هل لقيت هذه الفكرة في الغرب ، و في مناطق أخرى من العالم نفس الرواج الذي لقيته عندنا ؟
هل توجد رغبة حقيقية للغرب لمثل هذا الحوار؟
وماهي أطراف هذا الحوار ؟
حضارتنا و الحضارة الغربية ، أم يشمل جميع الحضارات و الثقافات ؟
وهل يشترط الندية و التكافؤ ؟
ماهي مواضيع هذا الحوار ؟
ما دور الأديان فيه ؟
من هم الفاعلون في هذا الحوار ( المثقفون ، الساسة ، أو رجال الدين ) ؟
ما هو دور المجتمعات المدنية في هذا الحوار ؟
ما موقع الثقافات الإثنية التي تشملها كل حضارة في هذا الحوار كالثقافة الفارسية أو التركية أو البربرية على مستوى الحضارة الإسلامية ؟



 بقلم : الأستاذ مراد مليزي
نقلا عن مجلة منبر قجال
مجلة تهتم بشؤون الفكر و الدين و الثقافة تصدرها زاوية عبد الحميد حمادوش قجال
العدد الثالث / سنة /1424 ه / 2003 م


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق