الثلاثاء، 29 يوليو 2014

فقاعات في بحر الثقافة الكونية




فقاعات في بحر الثقافة الكونية
التسلف المفوت ، و التغرب الفج
 



يحار المرء ، و هو يتنقل من المثقفين الحداثيين ، الى كتاب الإسلاميات و أمراء الحركة الإسلامية و مثقفيها ، الى العلماء الذين لزموا المواقع التقليدية و في ظنهم أن هذا عين الإعتدال ، و التوازن ، و خدمة الدين و حمايته لا تكون الا على هذا المنوال ، و التعريف به و إشاعت معارفه مصدر قوة في حالة الإستناد الى مراجعهم وتبني مناهجهم ، و اتخاذها معيار في الحياة الفكرية و الثقافية ، و في التعاطي مع القديم و التعامل مع الحديث الطارئ أخذا و ردا ، أما الحركيون يبدوا أن السياسة قد استهلكتهم ، و السلطة قد استحوذت على تفكيرهم و أخذت منهم كل جهدهم و ألجأتهم الى أخذ معارف مجتزأة من المعارف الحديثة ، و استجلاب معارف و أفكار و إجتهادات من الدين و التراث 
و إخضاعها الى أوضاعهم ، وظروفهم ، و ما يفور به واقعهم ، من نقائض ، تشبه نقائض جرير و الفرزدق ، غرضها مصلحة مباشرة ، أو فوز مؤقت يلبي شهوة مغرمة بالسلطة ، ما جعل صيدهم سهلا من طرف القوة الإمبريالية ، و الجهات التابعة لها في الخليج ، و توظيفهم ضمن استراتيجيتها ، و التلاعب بهم من خلال إختراقهم من الرأس ، و كثيرا ما يستعملون الأسباغ و المساحيق لتفكيرهم القشري ، و فهمهم السطحي ، حتى لا ينكرهم مجتمعهم ، و تستأنس بهم التيارات التي تختلف معهم ، و تعارض فكرهم ، و مشروعهم و رؤاهم من الأساس ، و تراها قرسطية ظلامية ، و لا يصبح أن تكون بديلا أو شبه بديل ، لمجتمع أثقله الإستبداد ، و قتله الفقر ، و تفشت فيه الأمية ، تأخر فضيع أخذ منه ما تبقى فيه من إنسانية ، و آدمية و كرامة ، مجتمع بهذه الحال ، و على هذه الصورة ، من الصعب أن يقبل بمشروع طابعه الوعض و الإرشاد ، و توزيع الوصايا الأخلاقية ، المجتمع طموح الى الخروج من مستنقع التخلف ، و النجات من الضياع و التشتت ، و قلة القيمة ، لا مناص بالنسبة له إلا التوسل بأسباب الرقي كالعلم و التقنية و الحريات الخاصة و العامة ، و المواطنية ، و حقوق الإنسان ، و المجتمع المدني و النظام الديمقراطي ، و حيادية الدولة ، و شرعية السلطة ، و الفصل بين السلطات و قداسة المال العام ، و خضوع الجميع الى القانون و غيرها من العناصر الإجابية التي نستجلبها من الحداثة لنبني حداثتنا ، و التي لابد أن تكون تعبيرا فصيحا عن خصوصيتنا و انتزاع مكانا محترما و مريحا في عمارة الحضارة الحالية ، و خطابا متميزا مشبعا بروح التسامح ، و النزعة الإنسانية ، ممتلئا ثقة بنفسه يتدخل ، و يلاحظ ،و يعترض ، و يصوب حيث يكون حاضرا حضور ند و تكاقؤ ، الإعتزاز بالشخية القومية و تثمين إنجازاتها و مكاسبها التي فاضت على الإنسانية في يوم ما و التأكيد على المقدسات ، و حمايتها ممن ينتهكها أو ينقضها، أو يعتدي عليها بصورة من الصور ، أهمية المقدس و دور وظائفه في الحياة ظاهرة بينة .
في جهة أخرى من الإسلام سميها كما شئت ، مذهبا فهما و تصورا معينا للإسلام يرتبط بأحداث ووقائع و شخصيات و رموز لها ثقلها النوعي في النص المقدس بالذات و ضحت بما لا يمكن أن يضحى به ، في هذه الجهة لعب المقدس دورا خارقا و ما زال يلعب هذا الدور الى اليوم إنه يحيا و يتجدد مع الزمن يستفز المشاعر و العواطف لتدفع مفردات الماضي الى الحاضر، تكسر الركود ، و تمزق الجمود ، لتسمح للحياة الكريمة حياة المجد و الشرف و الكرامة بأن تنبت و تترعرع و تبرعم و تدفع العقل الى الجمع بين القديم و الجديد ، بين التقليدي و الحديث بين التراث و العصر ، الشيئ الذي يسبب له توترا بحكم الإشكاليات التي يتطلب منه بناءها ، و من ثم تجاوزها ، لأن العقل ما لم يحسم في هذه الإشكاليات و المسائل الحساسة ذات العلاقة الصميمية بوجودنا كتاريخ و ثقافة و حضارة و من قبله كدين كانت له اليد الطولى في خروجنا من حالة غفل و من وضع دوني الى الحضور الفاعل و المؤثر ، في حياة البشرية .
و الحال أن المقدس و وظائفه ، لم تخل منه حياة الإنسان ، ولن تخلو منه أبدا ، ألم تر أن الحياة المعاصرة التي أدارت ظهرها للدين ، و تنكرت للسماء ، صنعت مقدساتها و بذلت جهدا تمثل في الفكر و الأدب و الفن ، للإستلاء على المشاعر ، و العواطف  و الإستحواذ على العقل ، و جعله خادما لها ، دائرا في فلكها ، حاجات و مطالب لدى الإنسان تلبيها ، و ظائف المقدس ، و أشواق ترد عليها ، فإذا لم يكن المقدس متصلا بالحياة متغلغلا فيها ممسكا بعناصرها منبسطا في حياة الناس مشخصا متعينا في أشخاص و أفكار و أحداث و مواقف و إنتصارات، منتصبا ، مشعا متلألأ في مقامات تستدعي الماضي و تستحضره لتقوي به الحاضر و تسنده إذا كانت الأعمال الفلسفية و الفكرية و الأدبية الكبرى تبدأ بلمعة خاطفة ثم تكبر و تتسع ، فكذلك الحياة البشرية تكون حياة مقبولة مريحة ، للروح كما للجسد ، محتملة مستساغة - في حالة ما إذا كانت الحياة قاتمة، شديدة الوطأة ، صعبة المراس - إذا ما كانت صدى لهذه اللمعة و مفعول من مفاعيلها ، وقبضة ضوء من شعاعها ، إنها ما يمس ذرى الوجود البشري و حدوده القصوى كالموت و الحياة و المصير ففهم كما يقول علماؤنا .....................................................

بقلم : محمد الفاضل حمادوش       
حرر يوم : الأحد 11 نوفمبر 2012 ميلادي
الموافق لـ 26 دو الحجة 1433 هجري  



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق