فقاعات في بحر الثقافة الكونية
التسلف المفوت ، و التغرب الفج
يحار
المرء ، و هو يتنقل من المثقفين الحداثيين ، الى كتاب الإسلاميات و أمراء
الحركة الإسلامية و مثقفيها ، الى العلماء الذين لزموا المواقع التقليدية و
في ظنهم أن هذا عين الإعتدال ، و التوازن ، و خدمة الدين و حمايته لا تكون
الا على هذا المنوال ، و التعريف به و إشاعت معارفه مصدر قوة في حالة
الإستناد الى مراجعهم وتبني مناهجهم ، و اتخاذها معيار في الحياة الفكرية و
الثقافية ، و في التعاطي مع القديم و التعامل مع الحديث الطارئ أخذا و ردا
، أما الحركيون يبدوا أن السياسة قد استهلكتهم ، و السلطة قد استحوذت على
تفكيرهم و أخذت منهم كل جهدهم و ألجأتهم الى أخذ معارف مجتزأة من المعارف
الحديثة ، و استجلاب معارف و أفكار و إجتهادات من الدين و التراث
و
إخضاعها الى أوضاعهم ، وظروفهم ، و ما يفور به واقعهم ، من نقائض ، تشبه
نقائض جرير و الفرزدق ، غرضها مصلحة مباشرة ، أو فوز مؤقت يلبي شهوة مغرمة
بالسلطة ، ما جعل صيدهم سهلا من طرف القوة الإمبريالية ، و الجهات التابعة
لها في الخليج ، و توظيفهم ضمن استراتيجيتها ، و التلاعب بهم من خلال
إختراقهم من الرأس ، و كثيرا ما يستعملون الأسباغ و المساحيق لتفكيرهم
القشري ، و فهمهم السطحي ، حتى لا ينكرهم مجتمعهم ، و تستأنس بهم التيارات
التي تختلف معهم ، و تعارض فكرهم ، و مشروعهم و رؤاهم من الأساس ، و تراها
قرسطية ظلامية ، و لا يصبح أن تكون بديلا أو شبه بديل ، لمجتمع أثقله
الإستبداد ، و قتله الفقر ، و تفشت فيه الأمية ، تأخر فضيع أخذ منه ما تبقى
فيه من إنسانية ، و آدمية و كرامة ، مجتمع بهذه الحال ، و على هذه الصورة ،
من الصعب أن يقبل بمشروع طابعه الوعض و الإرشاد ، و توزيع الوصايا
الأخلاقية ، المجتمع طموح الى الخروج من مستنقع التخلف ، و النجات من
الضياع و التشتت ، و قلة القيمة ، لا مناص بالنسبة له إلا التوسل بأسباب
الرقي كالعلم و التقنية و الحريات الخاصة و العامة ، و المواطنية ، و حقوق
الإنسان ، و المجتمع المدني و النظام الديمقراطي ، و حيادية الدولة ، و
شرعية السلطة ، و الفصل بين السلطات و قداسة المال العام ، و خضوع الجميع
الى القانون و غيرها من العناصر الإجابية التي نستجلبها من الحداثة لنبني
حداثتنا ، و التي لابد أن تكون تعبيرا فصيحا عن خصوصيتنا و انتزاع مكانا
محترما و مريحا في عمارة الحضارة الحالية ، و خطابا متميزا مشبعا بروح
التسامح ، و النزعة الإنسانية ، ممتلئا ثقة بنفسه يتدخل ، و يلاحظ ،و يعترض
، و يصوب حيث يكون حاضرا حضور ند و تكاقؤ ، الإعتزاز بالشخية القومية و
تثمين إنجازاتها و مكاسبها التي فاضت على الإنسانية في يوم ما و التأكيد
على المقدسات ، و حمايتها ممن ينتهكها أو ينقضها، أو يعتدي عليها بصورة من
الصور ، أهمية المقدس و دور وظائفه في الحياة ظاهرة بينة .
في
جهة أخرى من الإسلام سميها كما شئت ، مذهبا فهما و تصورا معينا للإسلام
يرتبط بأحداث ووقائع و شخصيات و رموز لها ثقلها النوعي في النص المقدس
بالذات و ضحت بما لا يمكن أن يضحى به ، في هذه الجهة لعب المقدس دورا خارقا
و ما زال يلعب هذا الدور الى اليوم إنه يحيا و يتجدد مع الزمن يستفز
المشاعر و العواطف لتدفع مفردات الماضي الى الحاضر، تكسر الركود ، و تمزق
الجمود ، لتسمح للحياة الكريمة حياة المجد و الشرف و الكرامة بأن تنبت و
تترعرع و تبرعم و تدفع العقل الى الجمع بين القديم و الجديد ، بين التقليدي
و الحديث بين التراث و العصر ، الشيئ الذي يسبب له توترا بحكم الإشكاليات
التي يتطلب منه بناءها ، و من ثم تجاوزها ، لأن العقل ما لم يحسم في هذه
الإشكاليات و المسائل الحساسة ذات العلاقة الصميمية بوجودنا كتاريخ و ثقافة
و حضارة و من قبله كدين كانت له اليد الطولى في خروجنا من حالة غفل و من
وضع دوني الى الحضور الفاعل و المؤثر ، في حياة البشرية .
و
الحال أن المقدس و وظائفه ، لم تخل منه حياة الإنسان ، ولن تخلو منه أبدا ،
ألم تر أن الحياة المعاصرة التي أدارت ظهرها للدين ، و تنكرت للسماء ،
صنعت مقدساتها و بذلت جهدا تمثل في الفكر و الأدب و الفن ، للإستلاء على
المشاعر ، و العواطف و الإستحواذ
على العقل ، و جعله خادما لها ، دائرا في فلكها ، حاجات و مطالب لدى
الإنسان تلبيها ، و ظائف المقدس ، و أشواق ترد عليها ، فإذا لم يكن المقدس
متصلا بالحياة متغلغلا فيها ممسكا بعناصرها منبسطا في حياة الناس مشخصا
متعينا في أشخاص و أفكار و أحداث و مواقف و إنتصارات، منتصبا ، مشعا متلألأ
في مقامات تستدعي الماضي و تستحضره لتقوي به الحاضر و تسنده إذا كانت
الأعمال الفلسفية و الفكرية و الأدبية الكبرى تبدأ بلمعة خاطفة ثم تكبر و
تتسع ، فكذلك الحياة البشرية تكون حياة مقبولة مريحة ، للروح كما للجسد ،
محتملة مستساغة - في حالة ما إذا كانت الحياة قاتمة، شديدة الوطأة ، صعبة
المراس - إذا ما كانت صدى لهذه اللمعة و مفعول من مفاعيلها ، وقبضة ضوء من
شعاعها ، إنها ما يمس ذرى الوجود البشري و حدوده القصوى كالموت و الحياة و
المصير ففهم كما يقول علماؤنا
.....................................................
بقلم : محمد الفاضل حمادوش
حرر يوم : الأحد 11 نوفمبر 2012 ميلادي
الموافق لـ 26 دو الحجة 1433 هجري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق